• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الاكتناز في العراق.. مشاكل وحلول

حامد عبدالحسين الجبوري

الاكتناز في العراق.. مشاكل وحلول

يُعدّ الاكتناز ظاهرة عامّة في العراق كون أغلب المواطنين يكتنزون أموالهم في منازلهم دون استثمارها في مشاريع إنتاجية تنعكس بشكل إيجابي على واقع الاقتصاد العراقي، وذلك لأسباب عديدة تقف خلف هذه الظاهرة أبرزها غياب المناخ الاستثماري وضعف الجهاز المصرفي وخطأ عملية التحول وهيمنة الدولة وانخفاض الوعي المصرفي.

الاكتناز والمناخ الاستثماري

حيث يعدّ المناخ الاستثماري أحد الأسباب الجاذبة أو الطاردة للاستثمارات ويكون جاذب متى ما استطاع البلد من توفير المزايا والضمانات للاستثمار من جانب وتذليل العقبات والتحديات أمامه من جانب آخر، والعكس صحيح يكون طارداً متى ما عجز البلد عن توفير المزايا والضمانات وعدم معالجة العقبات والتحديات التي تقف أمام طريق الاستثمار.

الاكتناز هو تعطيل رؤوس الأموال عن الحركة في الاقتصاد، لأسباب عديدة، أبرزها هو المناخ الاستثماري حيث توجد علاقة عكسية بين المناخ الاستثماري والاكتناز، فكلّما يتحسّن المناخ الاستثماري ينخفض حجم الاكتناز لأنّ المناخ الاستثماري الجيِّد يحفّز المستثمرين على الاستثمار وهذا ما يعني زيادة الطلب على رؤوس الأموال وارتفاع الفوائد والأرباح لأصحاب رؤوس الأموال وهذا ما يدفع الآخرين بفعل عنصر المحاكاة إلى سلوك نفس الطريق رغبة بالفوائد والأرباح على رؤوس أموالهم، فيبتعدون عن الاكتناز باتجاه الإدخار أو الاستثمار.

والعكس صحيح حينما يسوء مناخ الاستثمار ستخفض الأرباح والفوائد على رؤوس الأموال وانخفض حجم الاستثمار كنتيجة لغياب المزايا والضمانات ووجود العقبات والتحديات، وهذا ما يدفع أصحاب رؤوس الأموال إلى اكتنازها في منازلهم بعيداً عن إدخارها أو استثمارها أو استثمارها في الخارج بحكم توفر المناخ الملائم.

وبما أنّ مناخ الاستثمار في العراق مناخ ليس غير جاذب بل طارد للاستثمار، حيث يحتل مراتب متأخرة في مؤشر سهولة بيئة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، وبالتحديد المرتبة 165 من أصل 190 دولة، فضلاً عن احتلاله مراتب متقدّمة في مؤشر مدركات الفساد العالمي الصادر عن منظمة الشفافية العالمية، وبالتحديد المرتبة 168 من أصل 180 دولة، لذا أصبح الاكتناز في العراق ظاهرة عامّة.

الاكتناز والجهاز المصرفي

هناك علاقة وثيقة بين الاكتناز والجهاز المصرفي فكلّما يكون الجهاز المصرفي جهازاً متطوّراً في أداءه كلّما يستطيع التحجيم من ظاهرة الاكتناز، والعكس صحيح كلّما يكون أداء الجهاز المصرفي متواضع سيزداد حجم الاكتناز.

من أبرز علامات تطوّر الجهاز المصرفي هو مدى قدرته على جذب المدخرات وتوجيهها نحو قنوات الاستثمار الحقيقية، فكلّما يكون قادر على جذب المدخرات عبر تحقيق الكثافة المصرفية التي تعني عدد المصارف بالنسبة لعدد الأشخاص والشمول المالي الذي يعني حصول جميع أفراد المجتمع على الخدمات المصرفية بما يلبي احتياجاتهم في كلّ مكان وزمان وبجودة عالية وأسعار مناسبة، وتوجيهها نحو الاستثمار سيكون قادراً على امتصاص الاكتناز.

إنّ النسبة المعيارية للكثافة المصرفية في العالم هي فرع واحد لخدمة كلّ عشرة الألف نسمة، وبما أنّ نسبة الكثافة المصرفية في العراق هي فرع واحد لكلّ 35،٥٠٠ نسمة عام 2016، هذا ما يعني انخفاض الكثافة المصرفية في العراق وهذا ما ترتب عليه انخفاض الشمول المالي حيث بلغت نسبته 11% وهي نسبة متواضعة قياساً بالنسب التي حققتها الكثير من الدول الأجنبية والعربية والدول المجاورة، حسب ما أوضح مستشار البنك المركزي العراقي وكالة وليد عبدالنبيّ. فتخلف الجهاز المصرفي كان أحد الأسباب وراء شيوع ظاهرة الاكتناز في العراق.

خطأ عملية التحوّل وهيمنة الدولة

إنّ تحوّل العراق بشكل مفاجئ وعشوائي ومزدوج من الدكتاتورية إلى الديمقراطية سياسياً ومن الاشتراكية إلى السوق واقتصادياً، أسهم في شيوع الفوضى السياسية والاقتصادية التي انعكست على الأوضاع الأمنية التي ألقت بظلالها على القطاع المصرفي، فأصبح قسم كبير من المقترضين لا يمكنهم سداد ديونهم بتواريخ استحقاقها، هذا ما أربك عمل المصارف وانعكس سلباً على سيولتها حسب ما أشار اتحاد المصارف العربية.

ففي الوقت الذي تبنّى العراق النظام الجديد والذي يُفترض وفقاً لهذا التبني أن تنسحب الدولة من الاقتصاد بما فيه القطاع المصرفي إلّا أنّها لا تزال تملك حصة الأسد في القطاع المصرفي، حيث أشار اتحاد المصارف العربية، على الرغم من زيادة عدد المصارف الأهلية العاملة في العراق إلّا أنّ حجمها ونشاطها محدودين جدّاً مقارنة مع المصارف الحكومية التي تدير حوالي 91% من مجمل موجودات القطاع المصرفي في حين تدير المصارف الأهلية 8% منها والمصارف الأجنبية تدير 1% فقط.

كما سيطر مصرف الرافدين وهو أكبر مصرف حكومي على 51% من موجودات القطاع المصرفي عام 2013، و47% من ودائعه، و45% من التسليفات الائتمانية. كما بلغت الحصة السوقية لأكبر مصرفين فقط، أي مصرف الرافدين ومصرف الرشيد، 75% من إجمالي موجودات القطاع، و73% من ودائعه، و64% من القروض في نهاية عام 2013. بالتزامن مع شيوع الفساد في أغلب مؤسسات الدولة بما فيها القطاع المصرفي.

إنّ القطاع الخاصّ في العراق لا يمتلك تاريخاً عريقاً في القطاع المصرفي ومع فتح الباب أمامه عام 2003 إلّا إنّه لا يزال محدود الأداء وذلك بسبب خطأ عملية التحوّل في العراق حيث لم تكُن مدروسة وكانت عشوائية، ولذا لم يكُن القطاع الخاصّ بشكل عام وفي القطاع المصرفي بشكل خاصّ محل ثقة المواطن.

مع استمرار هيمنة الدولة على القطاع المصرفي وبنسبة كبيرة ومحدودية دور القطاع الخاص فيه وغياب عنصر المنافسة وتسلل الفساد للقطاع المصرفي الخاصّ والحكومي سيظل هذا القطاع يعاني من التخلف في أداءه، فلن يُقبل المواطنون على التعامل معه وبالتالي يفضّلون اكتناز أموالهم في بيوتهم، وهذا ما حصل في العراق حين شكل الاكتناز ما نسبته 77% من حجم العملة المصدرة خارج البنك المركزي العراقي، فضلاً عن الاكتناز بالعملة الأجنبية، حسب المستشار الاقتصادي والمالي للحكومة مظهر محمّد صالح.

الاكتناز والوعي المصرفي

هناك علاقة وثيقة بين الاكتناز والوعي المصرفي لدى الجمهور، تارة تكون علاقة عكسية أي كلّما يرتفع الوعي المصرفي ينخفض حجم الاكتناز، وتارة أُخرى تكون علاقة طردية أي كلّما ينخفض الوعي المصرفي يزداد حجم الاكتناز.

ونظراً لانخفاض الوعي المصرفي لدى الجمهور العراقي الذي اتّضح من خلال انخفاض التعامل مع المصارف، حيث يشير اتحاد المصارف العربية إلى 80% من سكان العراق لا يملكون حساباً مصرفياً، فانخفاض الوعي المصرفي انعكس على حجم الاكتناز الذي شكّل 77% من العملة خارج البنك المركزي.

وبعد تحديد أهم الأسباب التي تقف وراء ظاهرة الاكتناز لابدّ من الإشارة إلى أبرز الخطوات التي تسهم في معالجة هذه الظاهرة بالآتي:

أوّلاً: بناء مناخ استثماري يكون قادراً على جذب الاستثمار ومحفّزاً للمستثمر المحلي بشكل خاصّ حتى يستطيع امتصاص الاكتناز.

ثانياً: العمل على تطوير الجهاز المصرفي ورفع أداءه من خلال زيادة الكثافة المصرفية وتحقيق الشمول المالي، وهذا ما يشجّع المواطنين على إدخار أموالهم في المصارف.

ثالثاً: انسحاب الدولة من القطاع المصرفي بشكل تدريجي وتحرص على أن تُوجد عنصر المنافسة لأنّ المنافسة كفيلة بتحسين جودة الخدمات المصرفية وانخفاض تكاليفها.

رابعاً: رفع الوعي المصرفي لدى الجمهور بمدى أهميّة التعامل مع الجهاز المصرفي وكيفية انعكاس آثاره الإيجابية عليه وعلى مجتمعه واقتصاد وطنه.

خامساً: إعادة الثقة للمواطن بالجهاز المصرفي وذلك من خلال إجراءات حقيقية تحمي ودائع المواطن من الفساد وكيف تسهم في زيادتها وتشعره بأي قرارات جديدة تسهم في تنمية أمواله.

ارسال التعليق

Top